سورة الرعد - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


قوله عز وجل {له دعوة الحق} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن دعوة الحق لا إله إلا الله، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الله تعالى هو الحق، فدعاؤه دعوة الحق.
الثالث: أن الإخلاص في الدعاء هي دعوة الحق، قاله بعض المتأخرين.
ويحتمل قولاً رابعاً: أن دعوة الحق دعاؤه عند الخوف لأنه لا يدعى فيه إلا إياه، كما قال تعالى {ضلّ من تدعون إلا إياه} [الإسراء: 67] هو أشبه بسياق الآية لأنه قال:
{والذين يدعون مِن دونه} يعني الأصنام والأوثان.
{لا يستجيبون لهم بشيء} أي لا يجيبون لهم دعاءً ولا يسمعون لهم نداء.
{إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه} ضرب الله عز وجل الماء مثلاً لإياسهم من إجابة دعائهم لأن العرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلاً بالقابض الماء باليد، كما قال أبو الهذيل:
فأصبحتُ مما كان بيني وبينها *** مِن الود مثل القابض الماء باليد
وفي معنى هذا المثل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الذي يدعو إلهاً من دون الله كالظمآن الذي يدعو الماء ليبلغ إلى فيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبداً، لأن الماء لا يستجيب له وما الماء ببالغ إليه، قاله مجاهد.
الثاني: أنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماء وقد بسط كفر فيه ليبلغ فاه، وما هو ببالغه لكذب ظنه وفساد توهمه، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه كباسط كفه إلى الماء ليقبض عليه فلا يحصل في كفيه شيء منه.
وزعم الفراء أن المراد بالماء ها هنا البئر لأنها معدن للماء، وأن المثل كمن مد يده إلى البئر بغير رشاء، وشاهده قول الشاعر:
فإن الماء ماءُ أبي وجدي *** وبئري ذو حَفَرْتُ وذو طويت


قوله عز وجل: {ولله يسجد من في السموات ومن في الأرض طوعاً وكرهاً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: طوعاً سجود المؤمن، وكرهاً سجود الكافر، قاله قتادة.
الثاني: {طوعاً} من دخل في الإسلام رغبة، {وكرهاً} من دخل فيه رهبة بالسيف، قاله ابن زيد
الثالث: {طوعاً} من طالت مدة إسلامه فألف السجود، {وكرهاً} من بدأ بالإسلام حتى يألف السجود، حكاه ابن الأنباري.
الرابع: ما قاله بعض أصحاب الخواطر أنه إذا نزلت به المصائب ذل، وإذا توالت عليه النعم ملّ.
{وظلالهم بالغدو والآصال} يعني أن ظل كل إنسان يسجد معه بسجوده، فظل المؤمن يسجد طائعاً كما أن سجود المؤمن طوعاً، وظل الكافر يسجد كارهاً كما أن سجود الكافر كرهاً.
والآصال جمع أصُل، والأصل جمع أصيل، والأصيل العشيّ وهو ما بين العصر والمغرب قال أبو ذؤيب:
لعمري لأنت البيت أكرم أهله *** وأقعد في أفيائِه بالأصائل


قوله عز وجل: {قل من رب السموات والأرض} أمر الله تعالى نبيه أن يقول لمشركي قريش {من رب السموات والأرض} ثم أمره أن يقول لهم:
{قل الله} إن لم يقولوا ذلك إفهاماً قالوه تقريراً لأنه جعل ذلك إلزاماً.
{قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً} ثم أمره صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذا بعد اعترافهم بالله: أفاتخذتم من دون الخالق المنعم آلهة من أصنام وأوثان فعبدتموها من دونه، لا يملكون لأنفسهم نفعاً يوصلونه إليها ولا ضراً يدفعونه عنها، فكيف يملكون لكم نفعاً أو ضراً؟ وهذا إلزام صحيح.
ثم قال تعالى {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور} وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر كالأعمى والبصير، والهدى والضلالة كالظلمات والنور، فالمؤمن في هُداه كالبصير يمشي في النور، والكافر في ضلاله كالأعمى يمشي في الظلمات، وهما لا يستويان، فكذلك المؤمن والكافر لا يتسويان، وهذا من أصح مثل ضربه الله تعالى وأوضح تشبيه.
ثم قال تعالى: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} ومعناه أنه لما لم يخلق آلهتهم التي عبدوها خلقاً كخلق الله فيتشابه عليهم خلقُ آلهتهم بخلق الله فلما اشتبه عليهم حتى عبدوها كعبادة الله تعالى؟
{قل الله خالق كل شيء} فلزم لذلك أن يعبدوه كل شيء.
{وهو الواحد القهار}.
وفي قوله {فتشابه الخلق عليهم} تأويلان:
أحدهما: فتماثل الخلق عليهم.
الثاني: فأشكل الخلق عليهم، ذكرهما ابن شجرة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8